تتربع الزيتونة على عرش التراث، حاملة بجذورها المتشبثة بباطن الأرض، جزءا من الذاكرة الجماعية للتونسيين، ولكل الشعوب المتوسطية عارضة بمختلف أنواعها وأشكالها أعرافها، وسوالفها، وقلبها الأخضر النابع بالحياة.
هذه الزيتونة، تتعدد ابعادها، كتراث طبيعي مثمر كان مورد رزق الاف العائلات، وموطن تشغيل اليد العاملة، ومنذ سنين طوال، وكتراث مادي تتعدد أدوات الجني به، والحرث والعصر والكيل والنقل والخزن بتنوع بين الجهات والمناطق،وهي أيضا تراث لامادي له طقوسه وتقاليده وعاداته ومهاراته وتمثلاته.
ابعاد غاصت فيها مداخلات اللقاء الثقافي الذي أثثته جمعية تازمّورت (كلمة أمازيغية تعني زيتونة ) مساء امس الجمعة، في المكتبة الجهوية بمنوبة، وتعمقت في ثناياها ما بين الأسطورة والطقوس ورمزية هذه الشجرة المباركة، وواقعها في ظل شح مبادرات التثمين والتوثيق واستغلالها كرافد من روافد التنمية الثقافية والسياحية .
لقاء انتهى بتجديد دعوة الجمعية الى إحداث متحف وطني للزيتونة ، وتدعيم فكرة المسلك السياحي « طريق الزياتين » وتحويله من حلم الى واقع ، وذلك بعد تقديم الأهمية التاريخية والاقتصادية والثقافية والتراثية للزيتونة، من خلال مداخلة رئيس الجمعية الباحث عماد بن صالح حول » الزياتين المعمرة تراث طبيعي وثقافي في حاجة الى الحماية والتثمين ومن خلال تقديم الأستاذ حسن بن سليمان، كتاب الزيتونة تراث ثقافي الذي أنجزته الجمعية خلال الدورة الثانية للملتقى الدولي » الزيتونة تراث ثقافي » في 2021.
هذه الشجرة التي اعتبرها بن صالح في تصريح لوات،حاملة الحياة والخصوبة ، والشجرة الرمز للمتوسط التي تؤرخ للإنسان وللحياة منذ الفترات التاريخية السحيقة، وبهذه الرمزية الضاربة في القدم ، والقدسية ، تؤمن الجمعية بأحقيتها في التثمين ببعث متحف يعنى يضيء على مختلف تجليات التراث الثقافي غير المادي المتصل بهاته الشجرة، باعتبارها تراثا طبيعيا وثقافيا مميزا لتونس بمختلف الجهات ، وطقوسها وأدواتها التقليدية التراثية وأساطيرها وطقوسها المختلفة من منطقة لأخرى .
وكشف ان الجمعية قدمت مشروعا ثانيا لمسلك زياتين سياحي وثقافي، من شانه توفير منتوج سياحي جديد في الخريف والشتاء،إضافة الى السياحة الموسمية الصيفية والشاطئية التي تعرف بها بلادنا، وهو منتوج قادر على جلب شريحة جديدة من السياح الأجانب.
وأكد الأستاذ الجامعي بن صالح انه أحصى في جربة فقط اكثر من عشرين زيتونة معمرة ، لاتزال صامدة بتسمياتها المختلفة على غرار زيتونة « الطبل »، و « الزيّار » و »العروق »، و »طبرقت » وفي ظلالها تكمن مسرحية متكاملة الأدوار بين التراث الحركي والشفوي والإيمائي.
وأشار إلى أن مختلف الجهات تزخر بالزياتين المعمرة مختلف الجهات على غرار زيتونة العكاريت بتطاوين، معتبرا ان الزيتونة الوحيدة المؤرخ لها بشكل علمي هي زيتونة الشّرف بالهوارية التي تعود للعهد البونيقي ويبلغ عمرها 2500 سنة اي 25 قرنا، غير مستبعد وجود زياتين في بعض الجهات الأخرى قد تكون اقدم منها لكنه لم يؤرّخ لها.وهي تعطي دروسا في النضال والصمود لا فقط دروسا في الحياة او في الاقتصاد والابداع والفن
من جهتها اعتبرت المديرة الجهوية للمكتبة العمومية بمنوبة ايناس الحكيمي ان اختيارها لتثمين شجرة الزيتون يأتي من منطلق ايمان عميق برمزية وقدسية شجرة الزيتون، ولما تحتويه بلادنا من ملايين أشجار الزيتون التي تعتبر دعامة للاقتصاد الوطني والتنمية الجهوية والمحلية.
وأضافت ان الاحتفاء بهذه الشجرة المباركة، ليس فقط بتناول الزياتين المعمرة والطقوس المرتبطة بها، وبتقديم الكتب ، بل بمعرض حول الزيتونة احتضنه فضاء المكتبة الجهوية، فضلا عن مداخلات شعرية حول الزيتونة اثثها الشاعر عضو جمعية تازمّورت مراد الثابتي.
يشار الى ان الجمعية المذكورة تأسست في 2014 ، وهي مختصة في العناية بشجرة الزيتون، وذلك البحث والتوثيق ونشر التراث في بعديه الطبيعي والثقافي، وإنتاج اعمال ثقافية بديلة تستلهم التراث وبث القيم الإنسانية النبيلة ، وفق تأكيد رئيسها بن صالح الذي لفت الى العمل قريبا على انتاج شريط وثائقي حول الزيتونة.