لم ينقطع دويّ الرصاص وصوت المروحيات على مدى أحداث الفيلم العراقي « شارع حيفا » للمخرج مهند حيال، والمتابع للشأن العراقي ليس في حاجة إلى متابعة التقارير الإخبارية على التلفزيون وإلى الخبراء والمحلّلين للشأن العراقي، فالصورة السينمائية التي تمّ تقديمها عن العراق في هذا الشريط، هي أكثر صدقا وقربا من موقع الحدث.
هذا الفيلم الروائي الطويل « شارع حيفا » (80 دق) تابع عرضه العربي الأول جمهور أيام قرطاج السينمائية 2019 بمدينة الثقافة وذلك ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة. وتدور أحداث الفيلم في العاصمة العراقية بغداد سنة 2006، وتحديدا في شارع حيفا حيث يعدّ أحد أخطر الأماكن عنفا وأشدّها دموية. إلى هذا الشارع يُقبل رجل أربعيني اسمه أحمد ليطلب يد سعاد الكائن منزلها هناك، لكنه يتعرّض إلى إصابة مباشرة برصاصة قناص متمركز في أسطح أحد المنازل، فيودي بحياته.
وفي هذا الشارع أيضا تعصف بالقناص « سلام » أزمات نفسية جعلته يُقدم على إطلاق النار على كل من سوّلت نفسه إنقاذ الرجل المصاب. وفي الأثناء تهرع « نادية » إلى جارتها « سعاد » أملا في المساعدة، لكنها تكتشف تواطؤ بقية السكان.
وأدّى الأدوار الرئيسية في هذا العمل الممثلون أسعد عبد المجيد وعلي ثامر ويُمنى مروان وإيمان عبد الحسن.
لقد كان « شارع حيفا » قليل الحوار بين الشخصيات، وفي المقابل، فإن المخرج خيّر الاعتناء بالصورة في المقام الأول لتكون أسمى خاصية فنية مميّزة للفيلم، وهي السمة المميزة أيضا للسينما العراقية بشكل عام في العشرية الأخيرة.
وراوح المخرج في الفيلم بين المشاهد البعيدة والمشاهد القريبة، فوظف اللقطات البعيد لإبراز حجم الدمار المحيط بالشارع وهول الحرب وآثارها على المنطقة. أما اللقطات القريبة فكانت موظفة بإحكام لتتبّع الشخصيات والكشف عما يخالجها من الداخل من حيرة واضطراب وتشنّج. فشخصية « سلام » ذلك الشاب المسلّح العنيد المندفع عن نحو القنص والقتل، بدا مضطربا من الداخل رغم هدوئه ظاهريا، ممّا يفسّر هول الحرب على نفسية الأفراد هناك.
في « شارع حيفا » حيث عمّ الدمار، يجعل المخرج من المرأة أملا في الحياة، فالبنت نادية فطرت قلب القناص « سلام » الذي لم يعد مسيطرا على نفسه ليقوم في الأخير بقتل « أمير » الكتيبة التي ينتمي إليها لمحاولته الزواج عنوة منها. فالحب دفعه إلى قتل من أجرم في حق سكان هذا الشارع وأجرم في حق المرأة العراقية بالتعدي والاغتصاب.
والمرأة في « شارع حيفا » بدت قوية صامدة مقبلة على التضحية بنفسها من أجل أن تحيا بعزة وشرف. فكانت صورة « سعاد » وهي تخاطر بحياتها من أجل إنقاذ الرجل الذي جاء لخطبتها، معبّرة عن صمود المرأة العراقية واستبسالها في المقاومة دفاعا عن الحب والحياة.
لقد كانت أحداث الفيلم مناسبة للتذكير بوحشية الاحتلال الأمريكي للعراق وبضلوع من « جاؤوا يبشرون العراقيين بالحرية والديمقراطية » في أعمال التعذيب وتجريد الإنسان من إنسانيته من ذلك حادثة سجن أبو غريب.
تجدر الإشارة إلى أن « شارع حيفا » كان فاز منتصف شهر أكتوبر الحالي بجائزة أفضل فيلم في الدورة 24 لمهرجان « بوسان » السينمائي الدولي بكوريا الجنوبية. كما سبق له أن تحصّل على جائزتين في ورشة « تكميل » خلال الدورة الماضية لأيام قرطاج السينمائية (2018).