اعتبر عدد من الخبراء في الإقتصاد، خلال حلقة نقاش إنتظمت اليوم الأحد، في إطار المعرض الدولي للكتاب بتونس، حول موضوع « أية بدائل إقتصادية أمام الشروط الإلزامية لصندوق النقد الدولي »، أن اللجوء للتمويلات من هذا الصندوق « ليس قدرا محتوما وأن هناك العديد من البدائل الممكنة للبلدان متوسطة الدخل، على غرار تونس وأن إملاءات مثل هذه المؤسسات على عديد البلدان، قابلة للنقاش ».
ويعد هذا الموضوع محل جدل سياسي في تونس، باعتبار أن اللجوء إلى تدخلات مؤسسة « بريتون وود » يرجع إلى عدة عقود وأهمها يعود الى نهاية الثمانينات مع برنامج الإصلاحات الهيكلية، وفق ما بينه توفيق بن عبد الله، منسق المنتدى الإجتماعي الإفريقي، لدى تقديمه للحوار.
وأضاف المنسق أن تدخلات صندوق النقد الدولي التي تهدف بالأساس إلى إعادة التوازن لميزان الدفوعات الخارجية وترشيد النفقات العمومية، تعد ضرورية بالنسبة إلى البعض في حين ينتقدها البعض الآخر، باعتبار أنها، وفق تقديرهم، « لا تشمل سوى المدى القصير ولا تساهم في تحقيق أهداف التنمية ».
من جهته اعتبر حكيم بن حمودة، وزير الإقتصاد والمالية الأسبق في حكومة مهدي جمعة (2014)، أن « صندوق النقد الدولي هو مؤسسة مالية قد ضلت طريقها، رغم أنها تواصل الإضطلاع بدور هام في الساحة المالية الدولية، كما أنها تعد من بين المؤسسات العريقة، لكن لم يعد لها الوزن ذاته، كما في السابق، لا سيما مقارنة بفترة إنشائها، غداة الحرب العالمية الثانية »، وفق تقديره.
وأشار في هذا الصدد إلى التحولات العالمية وخاصة بروز القوى العالمية الجديدة، على غرار الصين ودخول حركات اجتماعية على الساحة الدولية وصعود المجتمع المدني وكذلك حضور مؤسسات مالية دولية جديدة، مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية.
وبالإستناد إلى تجربته في مجال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، عندما كان وزيرا، أوصى بن حمودة بضرورة الإستعداد الجيد لمثل هذه المسائل، مع ضرورة التحلي برؤية وأولويات واضحة وإعداد البدائل، مع التأكيد على أهمية الإستعداد لمختلف النتائج المحتملة، بما في ذلك عدم التوصل إلى اتفاق.
وبالنسبة إلى الخبير الإقتصادي والناشط السنغالي، موسى دمبيلي، فإن « صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه العديد من الدول الغربية »، حسب رأيه، « لا يتماشى سوى مع الأنظمة الإستبدادية التي يكون فيها اتخاذ القرار أحاديا، مع يفرض التقليص في النفقات الإجتماعية ». واعتبر أن « هذه المؤسسة قد فقدت مصداقيتها وتعكس رأسمالية تعيش أزمة شرعية »، مشيرا في هذا الشأن إلى أن « صندوق النقد الدولي لا يعكس الوزن الحقيقي لدول مثل الصين والهند والبرازيل.
وأضاف أن البلدان التي تطمح إلى انتقال ديمقراطي وإلى تحقيق الكرامة، على غرار تونس، « من المهم لها أن تستعيد هذه الكرامة، فضلا عن تحقيق العدالة الإجتماعية ومكافحة مظاهر اللامساواة ». كما شدد على أن « الدولة عليها أيضا تحمل مسؤولياتها إزاء مواطنيها، ملاحظا أن « الدول الإفريقية يمكنها الإستغناء عن صندوق النقد الدولي ».
أما الصحفي الألماني المختص في السوق المالية، ارنست وولف، فقد سلط الضوء في مداخلته على « علاقة هذه المؤسسة المالية بالهيمنة الإقتصادية الأمريكية »، معتمدا في ذلك على قراءة تاريخية لطريقة عمل هذا الصندوق، إذ بين أن هذه العلاقة ترجمها، على سبيل المثال، فرض الدولار كعملة دولية، بعد قرار الرئيس الأمريكي نيكسون، في سنة 1971، إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب.
وذكر بأن المملكة العربية السعودية التي تعد من أكبر البلدان المنتجة للبترول، اتخذت بعد هذا الإجراء، بمدة قصيرة، في إطار اتفاقية مع الأمريكان، قرار اعتماد الدولار كعملة وحيدة لبيع بترولها وقد تم تعميمه صلب منظمة الدول المصدرة للبترول.
واعتبر الصحفي الألماني وهو أيضا مؤلف لكتاب حول الأسواق المالية، أن تلك السياسة المالية، أفضت إلى تحقيق نمو هام للسوق المالية على حساب الإقتصاد الحقيقي، مما أدى بالخصوص إلى « مضاعفة الأزمات المالية الدولية ومن بينها أزمة 2008″.
حلا