مثل الحديث عن قيمة الرواية ومدى قدرتها على تغيير المجتمعات العربية، وعلى تشكيل الوعي العربي، محور تباحث عدد من الروائيين العرب في أولى جلسات افتتاح ملتقى الرواية العربية الذي انطلقت فعالياته بعد ظهر الخميس وتتواصل الى غاية يوم السبت 5 ماي تحت عنوان « الرواية : القدرة على التغيير »، ويحل عليه الكاتب الكبير ابراهيم الكوني ضيف شرف.
في لقاء أداره الصحفي التونسي كمال الشيحاوي، وشارك فيه كل من الروائي اللبناني رشيد الضعيف والتونسي الحبيب السالمي والمصري ابراهيم عبد المجيد والتونسية مسعودة بوبكر أجمع الحاضرون على عدم توفر معطيات إحصائية تؤكد أو تنفي مدى تأثير الرواية على قرائها وعلى المجتمع عموما لكن مع ذلك لا أحد ينفي قدرة تأثيرها على الفرد بالخصوص.
فإذا كان من الممكن تحديد الانتشار الكمي للرواية من خلال تحديد المبيعات، يبقى من العسير تحديد مدى تأثيرها على القراء حتى ولو عرفنا كمية الروايات المقروءة بحسب الروائي اللبناني رشيد الضعيف. ومع ذلك فلا احد ينفي تأثير روايات جبران والمنفلوطي وحنامينا والطيب صالح على عدة أجيال.
وأشار الى ان عدم انتشار الرواية لا يعني ضرورة عدم قدرتها على التاثير فهناك روايات يقرأها عدد ضئيل لكنها تترك أثرا كبيرا في وعي الانسان بنفسه والعالم. وفي المقابل توجد روايات تترك تاثيرات على القارئ مضادة لأفكار كتابها على غرار بعض كتابات ماركس وبلزاك أو غروكي ولنين.
والحديث عن التأثير لا يتعلق بالرواية وقارئها فقط بل بالرواية وغيرها من الفنون، إذ يتأثر الكثير من الروائيين بالسينما وبعضهم يشاهد أفلاما سينمائية أكثر من قراءة روايات.
وخلص رشيد الضعيف الى القول بأن الرواية لها دور مهم لكن لم يعد لها ذلك التأثير الحاسم الذي كان لها في السابق.
من جانبه لم ينف الروائي التونسي المقيم بفرنسا الحبيب السالمي التطور الذي شهدته الرواية في العقود الثلاث الاخيرة وتغير ثيماتها واختراقها لما كان يعد من « المحرمات » وتنوعت اساليب كتابتها وكثرت الجوائز المخصصة لها كما أصبح للرواية قراء من صنف جديد وفق تقديره.
إلا أن تزايد عدد القراء لا يدل بالضرورة على قدرتها على التغيير، ثم تساءل عن المقصود بالتغيير ومشروعية طرح هذا السؤال، قبل أن يجيب جازما بأن للرواية تأثير اكيد على المستوى الفردي حيث يوسع افاق القارئ ويثري عالمه وتجاربه.
تأثير الرواية على القارئ أمر أكده الكاتب المصري ابراهيم عبد المجيد الذي ربط بين انتشار الرواية وارتفاع عدد مبيعاتها ومواقف القراء وآرائهم على مواقع تويتر وفايسبوك من خلال متابعاته اليومية، مؤكدا ان « العمل السياسي حرك العمل الأدبي » . واستدل على ذلك بعودة اقبال القراء على رواياته القديمة « في كل أسبوع يوم جمعة » و »بيت الياسمين » لعلاقة العنوانين بالاحداث السياسية الحاصلة في ما يعرف ببلدان الربيع العربي.
وعرج على اختيار بعض الروائيين نشر اجزاء من كتبهم على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويق القراء وتشجيعهم على قراءة رواياتهم وهو ما يؤكد في تقديره تاثير الرواية على القارئ عبر الانترنات لكن لا يمكن تحديد حجم ذلك التأثير.
الكاتبة التونسية مسعودة بوبكر اختارت من جانبها الحديث لا فقط عن تأثير الرواية على القارئ بل عن تاثر بعض الروائيين بروايات غيرهم مشيرة إلى تأثر أجيال من الروائيين بكبار الروائيين امثال محمود المسعدي وحنامينا ونجيب محفوظ. وقالت في هذا السياق « نحن لا نحتاج تاثير الروائيين في بعضهم البعض بقدر ما نحتاج تأثير الرواية في المجتمع، لافتتة الى التاثيرات السلبية لبعض القنوات التلفزية في المجتمع.
واشارت مسعودة بوبكر الى تأثير الرواية الكبير حين يقع اقتباسها في المسرح او السينما واكدت على ان التناول السينمائي يخدم الرواية مستدلة على ذلك بالمتابعة الجماهيرية الكبيرة لمسلسل بين القصرين وقصر الشوق والسكرية واقبال القراء على اقتناء هذه الثلاثية للأديب الكبير نجيب محفوظ. واعربت عن اسفها لعدم مسرحة الكثير من الروايات التونسية الجيدة .
الرواية في تقديرها تعبر عن وعي الفرد وتمكنه من السفر عبر الخيال الى عوالم اخرى لكن المقروئية المحدودة في العالم العربي (رغم عدم وجود إحصائيات رسمية تؤكد ذلك) وحركة النشر الهشة وصعوبات التوزيع فضلا عن غياب إعلام مساند للكتاب كلها عوامل حدت،في رأيها، من تأثير الرواية في العالم العربي.