تم مساء أمس الجمعة تقديم العرض الأول لمسرحية « بورقيبة، الحوار 2019″ لرجاء فرحات بالمركز الثقافي والرياضي بالمنزه السادس، ويتنزل هذا العرض في إطار سلسلة من الأعمال التي أعدّها هذا الفنان المسرحي حول مسيرة زعيم أثر في تاريخ تونس بنضالاته ووسم مسار الحركة الوطنية بقرارات وإنجازات جريئة.
وتطرح هذه المسرحية سردا لوقائع وتوجهات الزعيم الحبيب بورقيبة في تونس إبان تحررها من المستعمر الفرنسي ( 20 مارس 1956) وصولا إلى الفترة الراهنة التي تقف فيها البلاد في مفترق طرق سياسي ومجتمعي فرضته تداعيات أحداث 14 جانفي 2011، مما جعل إسم الزعيم بورقيبة يطفو على الساحة السياسية من جديد بين معارضيه ومؤيديه.
وسبق أن قدم الفنان المسرحي رجاء فرحات أعمالا حول مسيرة المناضل السياسي الحبيب بورقيبة فجاءت كل من مسرحيات « بورقيبة: خطاب البلماريوم » و »الزعيم بورقيبة: السجن الأخير » و »بورقيبة في أمريكا » و »بورقيبة وحراير تونس ».
ويحيي هذا العمل المسرحي الجديد الصورة البورقيبية في رفعها لتحديات ساهمت في بناء تونس اليوم، من خلال مسلك دراماتورجي قائم في فكرته العامة على حوار تلفزي تؤديه الممثلة آمال فرجي، يكتشف من خلاله المشاهد مواقف بورقيبة في خياراته السياسية ومراهنته القوية على المرأة والتعليم.
رجاء فرحات مرر عبر هذا الحوار جزءا من الحركة النضالية لبورقيبة المتمثلة أساسا في عودته سنة 1943 لتونس بعد اعتقاله سنة 1938 من قبل الشرطة الفرنسية على إثر تظاهرة شعبية ليقع فيما بعد نقله إلى مرسيليا ثم إلى سجن ليون ثم إلى حصن سان نيكولا حيث اكتشفته القوات الألمانية التي غزت فرنسا، فنقلته إلى نيس ثم إلى روما، ومن هناك عاد إلى تونس حرًا طليقًا (سنة 1943).
إلاّ أن فرنسا عادت إلى تونس عام 1945، كمستعمِرة. وقرر بورقيبة السفر إلى المنفى الاختياري في القاهرة في 23 مارس عام 1945، وفي سنة 1955، اعترف رئيس المجلس الفرنسي، بيار مانديس فرانس ، بحق تونس في الاستقلال الذاتي تحت وطأة الحرب الجزائرية ووقعت الاتفاقيات في شهر ماي عام 1955، وعاد بورقيبة إلى تونس كبطل.
هذه المحطات البطولية في تاريخ الزعيم بورقيبة، استعرضها رجاء فرحات بأسلوبه المميز في محاكاة بورقيبة من حيث شكله وطريقة حديثه وتنقله ساعيا في ذلك إلى تمرير عديد الرسائل للتونسيين اليوم.
« بورقيبة، الحوار 2019″، عمل مسرحي سلط فيه رجاء فرحات الضوء على جزء من تاريخ تونس الحديث الذي يحمل البعض مؤاخذات على بانيها، هي مسرحية تمجّد بورقيبة والبورقيبيين وتدافع عن إرث رجل ترك بصمة كبيرة في تاريخ تونس المعاصرة، من خلال سرد عدد من الأحداث التاريخية ومن مواقفه العاكسة لشخصية الزعيم الراحل ورؤيته للمسائل السياسية والاجتماعية وغيرها.
وسواء دافع عن بورقيبة أو انتقده، يبقى للممثل الكبير رجاء فرحات المساهمة في ترسيخ صورة وأفكار رجل سياسة ماضيه يجمع أكثر مما يفرّق.
ولطالما أبدى رجل المسرح رجاء فرحات قدرة فائقة على التمييز بين الأمور في علاقته ببورقيبة الذي تسبب في فترة ما في سجن والده وتعذيبه لكنه استطاع تجاوز ذلك وحرص على تقديم الوجه الآخر لبورقيبة الزعيم والسياسي بعيدا عن مشاعر الكره أو التشفي.
هذه المسرحية، تقدم درسا في التاريخ عن خفايا القصر الرئاسي وكواليس الحكم وعن نظام سياسي مهما اختلف حوله الناس اليوم إلا أنه يبقى حجر الزاوية الذي عبّد الطريق نحو بلد حر وديمقراطي .
شخصية بورقيبة التي قدمها رجاء فرحات في عمله أمس تدعو التونسيين إلى مواصلة « النضال والجهاد » دفاعا عن مستقبل أبنائهم وللمساهمة في ترسيخ هذه الديمقراطية الناشئة.