أحيت وزارة الشؤون الثقافية الليلة الماضية أربعينية وزير الثقافة الأسبق الفقيد البشير بن سلامة (14 أكتوبر 1931 – 26 فيفري 2023)، وهو الذي عرفت الوزارة في عهدته التي استمرت 5 سنوات (من 2 جانفي 1981 إلى 12 ماي 1986)، زخما ثقافيا كبيرا على مستوى التظاهرات والتشريعات وإحداث المؤسسات.
وحضر موكب هذه الأربعينية التي أقيمت بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي وعائلة الفقيد وعدد من وزراء الثقافة السابقين على غرار عبد الرؤوف الباسطي ومراد الصقلي وسنيا مبارك، إلى جانب نخبة من أهل الفكر والفن والثقافة.
واطّلع الحاضرون على معرض توثيقي اختزل مسيرة ثقافية رائدة للفقيد على مستوى الإنتاج الأدبي والفكري الغزير وأيضا على مستوى تسيير وزارة الشؤون الثقافية وما حمله الراحل البشير بن سلامة من رؤية ثقافية ثاقبة كانت أبرزها مأسسة الثقافة ضمن سياسة مدروسة تدعم التوجه الوطني في بناء عقول الفكر والمعرفة ونشر الإبداع. وجاءت مكوّنات المعرض محمّلة بالشهادات المدرسية التي عكست تميّز الرجل منذ دراسته وكذلك الأوسمة التي أبرزت جدارته العلمية ومكانته في الساحة الفكرية والأدبية وحتى السياسية، كما وثّق المعرض لكتبه وإصداراته باللغتين العربية والفرنسية، واحتوى صورا للقاءات جمعته بالزعيم الحبيب بورقيبة والوزير الأول محمد مزالي ومجموعة من رجال الثقافة في تونس.
وفي قاعة عمر الخليفي، تمّ عرض شريط وثائقي من إنجاز مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة. وقد ألقى هذا الشريط الضوء على مسيرة الفقيد البشير بن سلامة بداية من دراسته في المدرسة الصادقية وصولا إلى إنجازاته على رأس وزارة الشؤون الثقافية. وجاءت هذه الشهادات القيّمة على لسان الأساتذة عبد الرؤوف الباسطي والشاذلي بن يونس وعبد العزيز قاسم وعبد العزيز الدولاتلي وسنيا مبارك ومصطفى عطية ومراد الصقلي وفاضل الجزيري وعلي بالعربي وفتحي زغندة ومحمد رجاء فرحات.
وأكد المتدخلون في هذه الشهادات على أن الفقيد أدار باقتدار وزارة الشؤون الثقافية بعد أن جاءها حاملا لسياسة ثقافية واضحة الملامح، فأسس خلال تلك الفترة الفرقة الوطنيّة للموسيقى والمسرح الوطني وبعث تظاهرة أيّام قرطاج المسرحيّة وأحدث المجلس الأعلى للثّقافة والمعهد العالي للمسرح والمعهد العالي للموسيقى والمعهد العالي للتنشيط الثّقافي وصندوق التنمية الثقافيّة وصندوق الإنتاج السينمائي ومركز للدّراسات والتوثيق خاص بالتنمية الثقافية والمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون « بيت الحكمة ». كما أسس معرض تونس الدولي للكتاب وأحدث مجلات ثقافية خاصة تعنى بالشعر والمسرح والفنون، وهو أيضا من عمل على تشجيع المبدعين بإحداث جوائز في شتى المجالات تسند إليهم سنويا.
وجاء في شهادات الفيلم أيضا أن اختيار البشير بن سلامة على رأس وزارة الشؤون الثقافية لم يكن من فراغ، بل كان نابعا من دراية ومعرفة بقدرات هذا الرجل على النهوض بالثقافة. ويقول وزير الشؤون الثقافية الأسبق عبد الرؤوف الباسطي في شهادته إن البشير بن سلامة تعرّف على محمد مزالي عندما كان تلميذا بالمدرسة الصادقية وتوطدت بينهما علاقة صداقة دامت طويلا، وقد دعاه للمشاركة في الكتابة بمجلة الفكر من أكتوبر 1955 إلى جويلية 1986. ويُجمع المتدخلون على أن المشاريع الثقافية التي أتى بها البشير بن سلامة قد لقيت دعما من محمد مزالي الوزير الأول آنذاك حيث كان يعرضها على الرئيس الحبيب بورقيبة ويدافع عنها لترى النور. علما أن البشير بن سلامة قبل توليه وزارة الثقافة في بداية الثمانينات كان انتخب عضوا بمجلس الأمة (مجلس النواب) سنوات 1969 و1974 و1979.
وألقت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي كلمة بالمناسبة عدّدت فيها خصال الفقيد ومناقبه، قائلة هذا الرجل أعطى الكثير للإدارة الثقافية ووضع الاسترتيجيات الكبرى للوزارة وجمع بين رجل الدولة صاحب الرؤية الثقافية الثاقبة والأديب والمفكر.
وأضافت أن المرحلة التي أشرف فيها البشير بن سلامة على الوزارة كانت حقبة خصبة حيث ترك بصمته الخاصة في الوزارة وضخ دماء جديدة فيها بدءا من التشريعات وإحداث المؤسسات الثقافية الداعمة للتوجه الثقافي الوطني.
وتحدّثت الوزيرة أيضا عن البشير بن سلامة المنتج للفكر والثقافة، معدّدة أعماله الزاخرة والمتنوعة.
وتمحورت كلمة رضا بن سلامة، شقيق البشير بن سلامة، حول دور الرجل في الاهتمام بأفراد عائلته، فغرس لدى إخوته حب الثقافة والمعرفة وكان في منزلة الأب والمربي لهم.
وتجدر الإشارة إلى أن البشير بن سلامة غيّبه الموت يوم 26 فيفري 2023 عن سن ناهزت 92 عاما. وولد الفقيد يوم 14 أكتوبر 1931 بمدينة باردو وهو ينتمي لعائلة أصيلة قصور الساف بولاية المهدية.
زاول بن سلامة تعليمه الابتدائي في المدرسة الصادقية بالعاصمة. وبعد حصوله على البكالوريا التحق بمعهد الدراسات العليا ثم بدار المعلمين العليا بتونس حيث تحصّل على الإجازة في اللغة والآداب العربية سنة 1959. وترك الفقيد رصيدا فكريا وأدبيا غزيرا في مجالات الترجمة والفكر والأدب.