أحيى منتدى الفكر التنويري التونسي، الليلة الماضية بمدينة الثقافة، الذكرى الخمسين على رحيل العلامة التونسي حسن حسني عبد الوهاب (1884- 1968 )، بتنظيم مسامرة فكرية حضرها وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين ومجموعة من الكتاب والباحثين.
واستهلت المسامرة بمعرض صور يوثق لمسيرة الراحل المهنية ويتضمن إصداراته الفكرية والأدبية، ثم ألقى وزير الشؤون الثقافية كلمة عدّد من خلالها مناقب الراحل وخصاله وأعماله، مبرزا أن الإنتاج الغزير لحسن حسني عبد الوهاب وتنوعه ساعد على توجيه جهود أجيال من الباحثين، لما تزخر به من ثراء علمي.
وأدار الجلسة الفكرية الباحث والأكاديمي عبد الحميد الأرقش. واستعرض في كلمته التقديمية مسيرة حسن حسني عبد الوهاب، أهم ما جاء فيها أن العلامة كان يعيش حياة هادئة في فترة عرفت فيها تونس عديد الأحداث السياسية والخلافات في الحركة السياسية خلال فترة الاستعمار. وأضاف أن حسن حسني عبد الوهاب تميّز بقدرته على التأليف في كتابة التاريخ وهي، في تقديره، إضافة أدخلها على مناهج كتابة التاريخ.
وبيّن الأستاذ الهادي التيمومي، في مداخلة له ألقاها تحت عنوان « وفق أي منهج كتب حسن حسني عبد الوهاب التاريخ؟ »، أن ما يُحمد للفقيد هو إنتاجه الغزير عن الإسلام الكلاسيكي في إفريقية، وكذلك إهداء ألف مخطوط لدار الكتب الوطنية. وعن مسيرته العلمية، فاجأ التيمومي الحاضرين بالقول، إن حسن حسني عبد الوهاب « لم يُجر امتحان الباكالوريا »، مضيفا أن الراحل كان يتحدّث عن دراسته للعلوم السياسية بفرنسا، لكنه درس لسنة واحدة ثم انقطع، دون أن يتطرق إلى أسباب الانقطاع. وتابع قوله إن حسن حسني عبد الوهاب ساند الاستعمار الفرنسي لكنه كان حريصا في المقابل على ربط صداقات مع الوطنيين.
وأبرز أن أغلب إنتاجات الفقيد كانت متعلّقة بفترة الإسلام الكلاسيكي في إفريقية، متسائلا في السياق ذاته عن عدم اهتمامه بمنهجيات أخرى كانت منتشرة في العالم كـ « الماركسية » مثلا. ويضيف الأستاذ الهادي التيمومي أن الراحل تعلّقت كتبه بالأفراد والتاريخ السياسي والكرونولوجيا. ولاحظ أنه كان « متعصّبا للتاريخ الإسلامي ».
ينفي الأستاذ الهادي التيمومي صفة العلامة عن حسن حسني عبد الوهاب، معتبرا أن الراحل لم يكن عالما وكان يفتقد للمناهج العلمية في أعماله، وفق تقديره.
واستعرض الأستاذ جلول ريدان في مداخلة له بعنوان « حسن حسني عبد الوهاب ?ايد »، قائلا إن الفقيد وصل إلى هذه الرتبة سنة 1925 واستهلها من جبنيانة، ثم انتقل إلى المهدية سنة 1928 ثم إلى نابل سنة 1935. وروى الأستاذ جلول ريدان عنه أنه كان فطنا وذكيا وأنجز الكثير من الأعمال في هذه الخطة. وأضاف أن الراحل وصل إلى هذه الخطة بعد أن ارتقى في وظائف الدولة، فقد بدأ مترجما مستكتبا ثم أصبح رئيس مكتب إدارة الداخلية وكلّف أيضا بالأرشيف.
ولاحظ الأستاذ جلول ريدان أن « حسن حسني عبد الوهاب قدّم شهادات شديدة التناقض بين ممارسته للسلطة وبين الكتابة ».
وتطرّق محمد مختار العبيدي في مداخلته، إلى مساهمة حسن حسني عبد الوهاب في التعريف بالأدباء التونسي، قائلا إن الفقيد أخلص لتونس ولحضارتها ولرجالها. وأضاف أن الرجل كان يكتب بأسلوب بسيط دون تقصير ولا إطالة لكي تُفهم كتابته بيسر وتنتشر المعرفة.
وتميّز أسلوب الكتابة لدى حسن حسني عبد الوهاب، وفق الأستاذ محمد مختار العبيدي، بقدرته على جمع الكتاب التونسيين من الدولة الأغلبية إلى عصره في كتاب واحد دون أن يقع في التقصير أو الإخلال، قد ساهمت كتابته في إراحة الباحث من عناء الرجوع إلى عشرات المصادر.
وتعدّى اهتمام حسن حسني عبد الوهاب أيضا إلى المجال الموسيقي. ففي مداخلة له حملت عنوان « مساهمات حسن حسني عبد الوهاب في البحث الموسيقي، لاحظ الأستاذ سمير بشة، بأن الفقيد تحدّث عن الموسيقى خارج المشروع الموسيقي واستعمل في كتاباته مصطلحات أكاديمية لم تكن متداولة في تلك الفترة كـ « الموسيقى » و »الآلة »، وتجلى ذلك في عنونة القسم الثاني من كتاب « ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية » بـ « الموسيقى وآلات الطرب ». واهتم حسن حسني عبد الوهاب كذلك بالطابع العروبي والإسلامي للموسيقى المشرقية والأندلسية.
يروي الأستاذ سمير بشة عن ترؤس حسن حسني عبد الوهاب لوفد تونسي شارك في مؤتمر بالقاهرة حول الموسيقى سنة 1932، تناول فيه المشاركون إمكانية عزف ألحان عربية بآلات غربية من عدمه. وقد كان موقف الفقيد من هذا الجدل هو عدم إمكانية عزف الألحان العربية بآلات غربية مستدلا بقوله « أن نعزف الموسيقى العربية بالبيانو كأن نكتب العربية بالأحرف اللاتينية ».
ولاحظ الأستاذ سمير بشة أن الفقيد كان يقلل من شأن الموسيقى البربرية ويعتبرها « بسيطة » و »ساذجة » وهو تقدير لا يستند إلى مقاربة علمية في الموسيقى، على حد تعبيره، لكنه في المقابل، كان يهتم بالموسيقى الوافدة على تونس. ويذكر الأستاذ سمير بشة أن حسن حسني عبد الوهاب تحدّث عن العلاج بالموسيقى ودوّن في كتاباته كيف كانت الطبيبة عزيزة عثمانة تستعين بموسيقيين في علاج بعض المرضى.
ويتواصل برنامج إحياء الذكرى الخمسين، هذه الليلة بمدينة الثقافة، بافتتاح معرض وثائقي يعرف بحسن حسني عبد الوهاب، وكذلك تنظيم جلسة فكرية يرأسها الكاتب محمد آيت ميهوب، ويشارك فيها الأساتذة نور الدين الدقي ومحمد الهادي المقدود وجلول عزونة ومعز الوهايبي وسيتناولون الجانب التاريخي في تجربة حسن حسني عبد الوهاب مع تسليط الضوء على مخطوطاته.
والعلامة حسن حسني عبد الوهاب (اسمه الكامل حسن حسني بن صالح بن عبد الوهاب بن يوسف الصمادحي التجيبي) هو من مواليد يوم 21 جويلية 1884 بمدينة تونس، وتوفّي يوم 9 نوفمبر 1968 بصلامبو (الضاحية الشمالية للعاصمة). وكان ممن تناولوا بالبحث والتأليف موضوعات متنوّعة من العلوم والمعارف. وصدرت له عديد الأعمال والدراسات باللغتين العربية والفرنسية.