غاب الفضاء المخصص للعرض بسبب اشغال بدار الثقافة فريد غازي بجربة حومة السوق لكن مهرجان فرحات يامون الدولي للمسرح اصر على أن يظل قائما وأن لا يخذل جمهورا ربطه به علاقات ثقة وحميمية متينة فجدد الموعد بانتقائه شكلا اخر من المسرح هو فن الحكاية وموسيقى تراث الشعوب الذي لا يستوجب ركحا بل كل فضاء قادر على أن يحتضنه في الساحات العامة والشوارع فكان الاختيار الصائب في انطلاقة مهرجان فرحات يامون للمسرح مساء امس الجمعة.
تعددت الفضاءات وتنوعت الحكايات حتى أن الجمهور أصبح مشتتا بين هذا الحكواتي او الاخر فجميعهم يستحقون الالتفاف حولهم والإنصات بانتباه لاستكمال خرافات من التراث الشعبي واستعادة ذكريات من ذلك الزمن الجميل زمن تقضي العائلة ليلتها حول الجدة او الجد وهو يروي حكايات ذات معان وعبر صور هي اليوم اندثرت امام ظهور أشكال جديدة ارتبطت بالتقنيات والتكنولوجيات الحديثة فغيبت كل رابط حقيقي مقابل روابط افتراضية جافة.
عاد مهرجان فرحات يامون للمسرح في هذه الدورة الثامنة والعشرين الى التراث العربي الاسلامي فاستلهم منه فن الحكاية او المسرح الحكواتي او الخرافة كما يتداول في أوساطنا الشعبية لاعتبارها فنا قائم الذات منها ما يرتبط بالواقع واُخرى خرافية وأسطورية في سعي نحو حفظ الموروث الشفوي المهدد بالانقراض واعادة تراث مخفي متواجد في كل بيت وعائلة وفي محاولة لاستقراء هذا الفن في عدة بلدان عربية مشاركة للوقوف على مدى تشابهه في محتواه وطرق صياغته وإلقائه او هو مختلف في اختلاف لن يزيده الا ثراء وفق المسرحي صالح شوشان.
من جهته اعتبر المشارك اسامة رؤوف رئيس مهرجان ايام القاهرة للمونودراما وهو مخرج أيضا، ان الأجيال الجديدة في حاجة الى معرفة الجذور والمنابت الحقيقية لفن الحكاية العريق في الدول العربية والمتعارف عليها منذ سنين طويلة موضحا انه من الفنون الاولى لبدايات المسرح قبل الركح والخشبية بخيال الظل وبحكايات السمر حول الحقول والمزارع ثم اصبح فن الحكي تراثا مسرحيا يدرس ونعود اليه من وقت الى اخر وهو قادر على ان يستقطب جمهورا وان يتفاعل معه حسب رأيه.
في هذه الدورة خرج مهرجان فرحات يامون للمسرح بالعروض من داخل الجدران المغلقة الى الشوارع والفضاءات المفتوحة ليوجه رسالة مفادها أن فن الحكاية يحمل بعدا دراميا بمحتوى ومضامين قصصه وبأشكال عرض تجمع كامل الاسرة وتستمتع بموسيقات مختلفة لعشرة دول قدمت حاملة معها تراثها من حيث اللباس والحكايات والموسيقى من اجل تقريب الشعوب واكتشاف الثقافات العربية في تشابهها واختلافها خاصة وان تونس تستعد لان تكون عاصمة للثقافة الاسلامية وفق زهير بن تردايت رئيس مهرجان فرحات يامون للمسرح .
واضاف ان اختيار المهرجان فن الحكاية يأتي ايضا بهدف تقريب المسرح التونسي حتى لا يبقى نخبويا وتوظيف مسرح الحكاية كوسيط بين المسرح والجمهور من اجل مصالحة اكبر بين الجمهور والمسرح. وأشار الى أن أيام المهرجان ستكون غنية بالعروض التي ستجمع في كل سهرة عرضا تونسيا مع عرض اخر اجنبي اما جزائريا او فرنسيا او عمانيا او كويتيا او مصريا او اردنيا او مغربيا وغيرها الى جانب ندوة علمية لأساتذة مختصين من عدة دول عربية تبحث في مسالة التكوين المسرحي مع تربصات مختلفة في مسرح خيال الظل ومقاومة الفساد والرشوة ومسرح الشارع.
رغم إطلاق صيحة فزع لامكانية حجب هذه الدورة بسبب صعوبات مادية وغياب فضاء للعرض الا ان انطلاقتها كانت رائعة بحسب الجمهور سواء بحسن البرمجة او هذا النمط المسرحي الطريف فن الحكاية الذي نحج في شد الجمهور وفي خلق حركيّة ثقافية ممتعة وهادفة وسط المدينة فحولت شوارعها وساحاتها الى فضاءات ثقافية مفتوحة فاستمتع الجمهور بألوان مختلفة من الموسيقى التراثية ومن الحكايات والعروض الفرجوية الاخرى الراقصة منها والاستعراضية.
وتحتفي دورة فرحات يامون للمسرح التي ستتواصل الى يوم 20 مارس بالمسرحي ابن الجزيرة عياد السويسي من مؤسسي فرقة التمثيل بإذاعة صفاقس وعاش بتلك المدينة حتى ان احدى قاعات مركز الفنون الدرامية والركحية بصفاقس حملت اسمه وفق الناطق الرسمي باسم المهرجان سمير حاجي.