سجّلت دولة البنين حضورها في المسابقة الرسمية للدورة 25 من أيام قرطاج المسرحية (23 – 30 نوفمبر 2024) بعرض حمل عنوان « Zone franc(h)e » (منطقة حرة)، وهي من إخراج « ميغان بردول » وتأليف « إدوارد الفيس بفوما ». وتمّ تقديم هذا العمل مساء اليوم الاثنين بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، وقد دام العرض نحو 70 دقيقة.
وتلقي هذه المسرحية الضوء على أحد أبرز المواضيع الراهنة في العالم وهو الهجرة غير النظامية، إذ تدور الأحداث في أحد مراكز الإيقاف الفرنسية حيث يتم استجواب مهاجر غير نظامي يدعى « ديغول » كان قد وصل إلى فرنسا مختبئا خلف جذع شجرة، ويلتقي بالمحامية المكلفة بالدفاع عنه والتي تحاول مساعدته حتى لا يقع ترحيله إلى بلده الأم.
وفي مشاهد ومواقف تشبه الكوميديا السوداء تمّ توظيفها بإحكام في المواجهة القانونية والإنسانية لهذا المهاجر الإفريقي، تكشف المسرحية عن الصراع الداخلي الذي يعانيه « ديغول » بين حلمه في العيش بحرية في فرنسا ورغبته في التمرد على السلطة والقوانين التي تمنعه من تحقيق هذا الحلم. ويحيل اسم الشخصية المحورية « ديغول » أيضا على اسم مؤسس الجمهورية الخامسة وأول رئيس لفرنسا « شارل ديغول ». والمفارقة أن « ديغول » هو أيضا مؤسس ما يعرف بفرنسا الحرة، لكن « ديغول » في المسرحية ممنوع من حرية التنقل إلى الضفة الشمالية لحوض المتوسط وحرية العمل والإقامة في البلد الذي اختار أن يكون فيه.
العنوان بين الرمزية والواقع
يثير عنوان المسرحية كما جاء باللغة الفرنسية Zone » franc(h)e » انتباه المتلقي قبل متابعة العرض، ويستدعي الغوص في تأويل أبعاده ومقاصده لما يحمله في مضمونه من دلالات سيميائية عميقة، فالكلمة « zone » (منطقة) تشير إلى مساحة معينة أما المصطلح « franc(h)e » فهو بدوره يحمل ازدواجية في المعنى: إذ أن لفظ « franche » تعني « صريح » أو « مباشر » وهي إشارة إلى الصراحة التي قد يتطلبها النقاش حول الهجرة وحقوق المهاجرين من خلال الموضوع المطروح في هذه المسرحية، لكن بمجرد إزالة حرف « h » يجد المتلقي نفسه أمام كلمة « فرنسا » وهو البلد الذي وصل إليه المهاجر الإفريقي ويسعى إلى الإقامة فيه.
ومن خلال اللعب على هذه التراكيب اللغوية، يعكس العنوان أيضا مفهوم « المنطقة الحرة » أو « منطقة التبادل الحر » من الناحية الاقتصادية والسياسية. فالهجرة غير النظامية، كما تصورها المسرحية، تفتح تساؤلات حول ما تعنيه « الحرية » في عالم مليء بالقيود والحدود الجغرافية والقانونية. وقد صوّر المخرج هذه « المنطقة الحرة » كمكان يختلط فيه الأمل بالخيبة حيث يمكن للمهاجر أن يشعر بالحرية من جهة لكنه يواجه في الآن نفسه تحديات كبرى من قبل « الأنظمة الديمقراطية الغربية » التي تحاول فرض سيطرتها على حركته وتنقله.
لقد ارتكز أداء شخصيات المسرحية على مفارقة بين الظاهر والباطن، فالمحامية لم تكن تؤدي واجبها المهني والقانوني فحسب، بل كانت أيضا تمثل الضعف الإنساني والتعاطف مع القضايا الإنسانية. وقد بدت في بعض المواقف أسيرة لحالة من الارتباك العاطفي الناجم عن يأس المهاجر الإفريقي لتقع في حبه وتضفي على القصة بعدا إنسانيا. أما بالنسبة إلى شخصية المفتش، فقد نجح المخرج في إبرازها كشخصية لا تثير التعاطف رغم أن مهمته كانت قانونية ومرتبطة بتنفيذ « مبادئ الجمهورية » ورغم أنه من أصل افريقي وكان بإمكانه التعاطف مع المهاجر. وقد تم تصويره كرمز للأنظمة التي تفرض القوانين الجافة دون مراعاة لحالة الأفراد المهاجرين الذين يعانون في صمت.
وتثير المسرحية أسئلة حارقة حول مفهوم الحرية والهويات المزدوجة للمهاجرين. وهي دعوة مباشرة وصريحة للتفكير في واقع الهجرة غير النظامية حيث يسعى الأفراد إلى البحث عن فرص جديدة في أماكن بعيدة عن أوطانهم رغم أنهم قد يجدون أنفسهم في منطقة رمزية « منطقة حرّة » لا تعترف بالحدود المرسومة بين الأوطان.
وتتجاوز مسرحية « منطقة حرة » قضايا الهجرة غير النظامية لتلقي الضوء على الصراع الداخلي وحالة التشظي النفسي والتمزق التي يعانيها كل مهاجر في سعيه وراء حياة أفضل تحت وطأة « الأنظمة الديمقراطية الغربية » التي قد تحول هذا الحلم إلى كابوس.