حققت المعارضة التركية، بقيادة حزب الشعب الجمهوري، فوزا تاريخيا في الانتخابات المحلية التي أجريت الأحد 31 مارس، في الوقت الذي شهد فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم انتكاسة غير مسبوقة.
ومع ظفره بـ 37,76 في المائة من الأصوات و14 بلدية كبرى و21 ولاية و337 منطقة، حقق حزب الشعب الجمهوري أفضل نتائجه خلال العقود الأخيرة، فيما مني حزب العدالة والتنمية بأول خسارة انتخابية له منذ 20 سنة.
واحتل العدالة والتنمية المرتبة الثانية بعد الشعب الجمهوري بـ 35,48 في المائة من الأصوات، وفاز بـ 12 بلدية كبرى و12 ولاية و356 منطقة.
ووفقا للمهتمين بالشأن العام، غيرت نتيجة هذه الانتخابات المحلية الخارطة السياسية للبلاد، حيث اجتاح الشعب الجمهوري أغلب الولايات بغرب البلاد والساحل الجنوبي، فيما ظل العدالة والتنمية محصورا بوسط وشمال البلاد، وعادت الولايات الشرقية ذات الأغلبية الكردية إلى حزب « المساواة الشعبية والديمقراطية » (5,68 في المائة من إجمالي الأصوات).
هكذا، فاز حزب الشعب الجمهوري، مجددا، برئاسة البلديات الكبرى التي سبق أن فاز بها في الانتخابات المحلية لـ 2019، وأضاف كذلك بلديات جديدة كانت تعتبر معقلا للعدالة والتنمية، كبلدية بورصة.
ووفقا للأرقام التي كشفت عنها اللجنة العليا للانتخابات، أعيد انتخاب أكرم إمام أوغلو على رأس بلدية إسطنبول الكبرى، بـ 51 في المائة من الأصوات وبمليون صوت أكثر عن منافسه من العدالة والتنمية، مراد كوروم.
وكان يدور صراع محتدم على منصب رئيس بلدية إسطنبول، حيث تكتسي أكبر الحواضر التركية أهمية خاصة كونها مركز ثقل سياسي هام، لاسيما وأنها تحتضن لوحدها ما لا يقل عن 10 ملايين ناخب. وتعتبر المدينة مؤشرا تقليديا على رضى الناخبين بخصوص السياسات العامة المتبعة، ويُنظر إلى فوز أي حزب في الانتخابات المحلية فيها على أنه انتصار رمزي كبير.
وكانت إسطنبول تعتبر معقلا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ترأس بلديتها من 1994 إلى 1998، قبل أن يفقد الائتلاف الحاكم السيطرة على المدينة في انتخابات 2019.
كما فاز مرشحا الشعب الجمهوري برئاسة بلدية العاصمة أنقرة (منصور يافاش بما يناهز 60 في المائة)، وإزمير، ثالث كبرى المدن التركية، (جميل توغاي بـ 48 في المائة).
وانتزعت المعارضة بلدية بورصة من العدالة والتنمية بفضل مصطفى بوزباي (ما يناهز 47 في المائة)، علاوة على الحفاظ على رئاسة بلدية أنطاليا (محيي الدين بوجك بـ 47,40 في المائة)، وأضنة (زيدان كارالار بـ 47,34 في المائة).
من جانبه، حافظ العدالة والتنمية على الولايات الواقعة بوسط وشمال البلاد، من قبيل قونيا وغازي عنتاب وسامسون وأكسراي.
وخلال ساعة متأخرة من ليلة الأحد، قال الرئيس أردوغان إن « الشعب التركي بعث برسائله إلى السياسيين عبر صناديق الاقتراع »، مقرا بأن ائتلافه « لم يتحصل على النتيجة التي كنا نأملها ».
واعتبر أردوغان، في كلمة ألقاها من مقر حزب العدالة والتنمية بأنقرة، أن نتائج اقتراع 31 مارس « ستكون نقطة تحول بالنسبة للعدالة والتنمية (…) سنقوم بتحليل نتائج الانتخابات المحلية ومراجعة مشوارنا ».
من جهته، أشاد رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، بالنتائج الجيدة التي حققها مرشحو الحزب، قائلا إن « هذه النتائج تؤكد أن الشعب الجمهوري سيقود سياسة جديدة بالبلاد ».
وأضاف أوزيل، من مقر حزبه بأنقرة: « قرر الناخبون اليوم تغيير صورة تركيا. قرر الشعب موازنة القوة للسلطة محليا، كما أعطى رسالة مهمة حول كيفية إدارة بلادنا ».
وبالنسبة لعدد من المهتمين بالشأن المحلي، لعبت الوضعية الاقتصادية للبلاد (مع تضخم يفوق 67 في المائة وعملة وطنية تنهار كل يوم أمام الدولار) بدور حاسم في تغيير المشهد السياسي وخسارة العدالة والتنمية بعد سنوات من تصدر نتائج الانتخابات الوطنية والمحلية.
كما أشار عدد من المراقبين إلى أخطاء « فادحة » ارتكبتها العدالة والتنمية خلال هذه الانتخابات، مع اختيار مرشحين محليين لا يتمتعون بشعبية كافية، والتركيز خلال الحملة الانتخابية على المشاريع الكبرى التي تنفذها تركيا دون الاهتمام بالشكل الكافي بالمشاكل اليومية التي يواجهها الناخبون.
وانتخب الناخبون الأتراك ما مجموعه 1393 رئيس بلدية، فضلا عن ما يناهز 20 ألف عضو بالمجالس البلدية، وأكثر من 30 ألف « مختار » في مختلف الأحياء والقرى التركية، علاوة على أعضاء مجالس المسنين.
وأقيم الاقتراع في 30 بلدية كبرى و51 ولاية و922 منطقة و390 بلدة. وبلغت نسبة المشاركة 78,11 في المائة ووفقا للجنة العليا للانتخابات.