لا تزال اليوميات والسير الذاتية جنسا أدبيا يلوذ إليه المؤلّف ليكتب عن الذات في الرواية، وليوثق لوقائع أو لتجربة ذاتية بسرد زمني ومكاني وشخصيات وأحداث هي جزء من بنية الرواية.
حول كتابة الذات في اليوميات والسير، انتظمت، مساء الخميس بقصر المعارض بالكرم حيث تقام فعاليات الدورة الرابعة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب، ندوة حول هذا الموضوع بمشاركة روائيين عُرفوا بكتابة هذا الجنس الأدبي، وهم كمال الرياحي (تونس) وعبد الرزاق بوكبة (الجزائر) وأحمد المديني (المغرب) وعبد الله ناجي (السعودية)، وقد أدار هذا اللقاء الكاتب محمد آيت ميهوب.
واستهلّ الكاتب المغربي أحمد المديني اللقاء بالحديث عن السيرة الذاتية بما هي نوع صغير من جنس السرد، مبرزا أن السيرة الذاتية ليست مذكّرات، وهي تختلف عنها في الصيغ والبناء. وأكّد على أن الحديث عن السير الذاتية واليوميات يستدعي وجوبا حضور الذات، « إذ لا يمكن الحديث عن هذا الجنس الأدبي دونها أو بعيدا عنها ».
ولفت إلى أن الكتابة عن الذات هي إعادة تملّك للذات بوسائل مختلفة، متحدّثا عن أهمية العلاقة بين الذات والرواية في تجاربه الأدبية. وتساءل عن إن كان لأدب الذات مكانة في المجتمع العربي.
ولدى استعراض علاقته بكتابة الذات، قال الكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة، إن تجربته انطلقت في التسعينات من القرن الماضي، وهي فترة شهدت فيها الجزائر توترا أمنيا. وبين أنه عاش تجارب إنسانية قاسية ترجمها إلى كتابات.
وكتابة الذات، بالنسبة إليه، هي ضرب من ضروب المقاومة، كما وصفها. وتحدّث أيضا عن تجربته في كتابة اليوميات على الفايسبوك منذ سنة 2015، مشيرا إلى أن هذه التجربة قد لاقت إقبالا من القراء، معتبرا أن تجربة اليوميات على الفايسبوك يمكن أن تنصهر فيها الكتابة مع الذات. وشدّد على أن الكتابة عن الذات تعد « شجاعة كبرى في بيئة سياسية واجتماعية تنشئ ذات مكبوتة وغير حرة ».
وأبرز الكاتب السعودي عبد الله ناجي، في معرض حديثه، أن تجربته الروائية قد طغت عليها الذات المجسّدة في الرواية. وقال إن كتابته عن مدينة مكّة لم تنبني على الوظائف الدينية فحسب كما هو مألوف في عديد الكتابات، بل على وظائفها المدنية والاجتماعية والحضارية. وقال إن الذات حضرت في تجربته بضمير المتكلّم المفرد، لكنها كانت تعني مجموعة من الناس يشتركون في المواقف والمشاعر نفسها.
واستعرض الروائي التونسي كمال الرياحي تجربته في هذا الجنس الأدبي، وتحديدا اليوميات، خاصة في روايته « واحد – صفر للقتيل »، الحائزة على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة (2016-2017). وقال « نحن نكتب ذواتنا ونترك القراء يتحسسون ذواتهم في رواياتنا ». اعتبر أن الكتابة للذات هي ملاذ وليست ثأرا.
وتطرّق كمال الرياحي إلى مجموعة من الإشكاليات، تتجلّى في مفهوم اليوميات وفي المادة التي تنتج اليوميات كالصورة مثلا، إذ لم تعد اليوميات حكرا على الكتابة وحدها، وفق تعبيره.
ويعتقد كمال الرياحي، وهو أيضا باحث في مجال الأدب، أن اليوميات هي ممارسة وأسلوب في الحياة كالتقاط الصور بالهاتف الجوال ونشرها على الفايسبوك. وشدّد على ضرورة عدم الخلط بين المذكرات واليوميات.