البث الحي

الاخبار : ثقافة

theatre_news

مسرحية « ذاكرة قصيرة »: كوميديا سوداء عن تواصل صراع الماضي في الحاضر

بعد تعثر دام سنوات، رأت مسرحية « ذاكرة قصيرة » للمخرج وحيد العجمي النور أخيرا، حين تمّ تقديم عرضها الأول مساء الجمعة بمسرح الجهات بمدينة الثقافة، وذلك بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي الجديد لقطب المسرح والفنون الركحية لمسرح الأوبرا.
هذا العمل الذي تمّ تقديمه للجنة الدعم المسرحي منذ ثلاث سنوات، وفق تصريح المخرج، تمحورت أحداثه بين أكتوبر 2008 وأكتوبر 2016، حول رحلة عائلة ووطَن، حاول من خلالها المخرج في 75 دقيقة استعراض ما حدث في السنوات الثمانية الماضية، وهي « مساءلة جدليّة وثائقيّة للذاكرة المشتركة والشّخصيّة ». وأدّت شخصيات المسرحية كل من نهلة زيد ورضا جاب الله وخالد الفرجاني، بالإضافة إلى الفنانة لبنى نعمان التي سجلت عودتها إلى الركح بعد غياب دام أكثر من 10 سنوات.
مسرحية « ذاكرة قصيرة » عمل يستفز المشاهد بأسلوب ساخر (كوميديا سوداء) ويعود بذاكرته إلى حقبات دولة ما بعد الاستقلال مرورا بنظام زين العابدين بن علي وصولا إلى الإطاحة به وقيام ثورة 14 جانفي 2011 والأحداث التي تلتها. هذه الأحداث أوردها المخرج دون ترتيبها، معتمدا تقنية « الفلاش باك ». وقد تعمّد أن تكون الأحداث معروضة بهذه الطريقة ليشرّك المتفرّج في إعادة ترتيبها.
يستعيد العمل أحداثا من الماضي، استهلّها من سنة 1955 وهو تاريخ احتدام الصراع بين الزعيمين الراحلين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف، انقسمت فيه البلاد إلى شقيْن بورقيبي ويوسفي، وظلّت تبعاته متواصلة إلى ما بعد ثورة 14 جانفي 2011 تمظهرت في الصراع السياسي والايديولوجي الذي عمّق من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وزاد أيضا من احتدام النقاش السياسي وكذلك النقاش العام في مسائل جانبية لا تهمّ القضايا المركزية والأساسية للشعب. وهذا الصراع الإيديولوجي والسياسي أدّى إلى عقم سياسي واقتصادي وتنموي وثقافي.
نص مسرحية « ذاكرة قصيرة » عميق وثري في محتواه، وجاءت ومصطلحاته حبلى بالرموز والدلالات. وقد ساهم النص في تنويع إيقاع العرض، حيث بدا الإيقاع في شكل خط منكسر يتسارع ويتباطأ صعودا ونزولا، وفق أهمية الرسالة الموجهة والقضية المطروحة كالاحتجاجات والتعامل الأمني مع السجناء وما يرافق التحقيقات الأمنية وغيرها من المواقف. أما الإيقاع البطيء فهو موظف بإحكام، ويعكس حالة الجمود الفكري والركود الاقتصادي والتنموي بالبلاد. ولعب بطء الإيقاع مجموعة من الوظائف أبرزها إراحة المتفرّج من عناء تتابع الأحداث المكثفة من ناحية، وكذلك إتاحة الوقت له من أجل إعادة ترتيب هذه الأحداث وإعادة تمثلها ذهنيا من ناحية أخرى.
وتنقّلت شخصيات المسرحية بين مجموعة من الأمكنة هي « ساحة القصبة » و »القصر الرئاسي » و »مستشفى الأمراض العقلية » و »السجن ». والمكان الأول هو رمز للثورة والاحتجاجات، أما القصر الرئاسي فهو رمز للسلطة السياسية، ومستشفى الأمراض العقلية يرمز إلى حالة الضغط النفسي التي يعيشها المواطن التونسي وكذلك حالة التخبط والتمزّق النفسي، أما السجن فهو رمز لسلب الحريات وللعزلة.
وتعدّ الإضاءة من أهم الخصائص الفنية المميزة لمسرحية « ذاكرة قصيرة »، وهي منبعثة من الجهة الخلفية للركح في اتجاه الجمهور، ويفصل بين الضوء والممثلين على الركح قطعة من القماش بيضاء اللون، وقد وظّف المخرج هذه التقنية الضوئية ليُظهر الشخصيات على شكل ظلال وليغيّب وجوههم وملامحهم، وذلك توظيفا لضبابية الزمن الحاضر وكذلك للتعبير عن شخصية المواطن التونسي بمختلف أطيافه (رجل، امرأة، طفل، سياسي، مثقف…)، وليُبرز أيضا أن المشكل ليس شخصيا وإنما هو جماعي. والظلال في المسرحية هي أيضا رمز للوهم ولحالة الضياع وغياب الحقيقة.
وكانت الكوميديا السوداء، من الأساليب الطاغية على « ذاكرة قصيرة »، في مفارقة بين المؤمل والحاصل والظاهر والباطن والخاص والعام، فالمؤمل هو أن الثورة، التي تم الرمز إليها بعربة (في إشارة الى عربة بائع الخضر محمد البوعزيز الذي حرق نفسه وكانت انطلاقة شرارة الأحداث) قامت لتغيير الواقع نحو الأفضل، لكن الحاصل هي أزمة شاملة اجتماعية واقتصادية وسياسية. والسخرية في ظاهرها هزل وإضحاك وفي محتواها وجع وألم ومأساة.
تنتهي المسرحية بمشهد فيديو يظهر شيخا وطفلا يسيران نحو أفق غير معلوم، وكأن المخرج أراد بذلك أن ينبه من مواصلة الأجيال القادمة استعادة هذا الحاضر بصراعاته الإيديولوجية مستقبلا، ويؤكد أيضا على أن البلاد تسير في طريق مجهول إذا استمر الواقع على ما نحن عليه اليوم.

بقية الأخبار

برامج وخدمات

tmp111

tmp222

meteo-

maritime

تابعونا على الفايسبوك

spotify-podcast-widget1

مدونة-سلوك

الميثاق

الميثاق-التحريري

podcast-widget-youtube1