بعد تجربة إخراجية أولى له في برنامج « مسرح السجون » لأيام قرطاج المسرحية سنة 2019، بعرض حمل عنوان « كفّارة »، ظهر المخرج الشاب سامي الجويني (خرّيج المعهد العالي للفن المسرحي بتونس) في تجربة إخراجية جديدة بعمل أطلق عليه عنوان « pas de signal » (لا توجد إشارة)، وتمّ تقديم عرضه ما قبل الأوّل بقاعة الفن الرابع بالعاصمة مساء امس الخميس.
هذا العمل الجديد تدور أحداثه في مقبرة مهجورة، حيث لجأ عدد من الأفراد للاحتماء بها أملا في النجاة بأرواحهم من وباء قاتل انتشر بالبلاد، غير أن الأحداث سرعان ما تطوّرت ونشب صراع بينهم بعد دخول شخص غريب بينهم وعدهم بأنه سيكون طوق نجاتهم.
وأدّى الأدوار في المسرحية الممثلون إشراف بن فرج وأنس الهمامي وأيمن السليتي وأحمد حشيشة وشكيب الغانمي.
على المستوى الفني، يكشف المخرج مع بداية المسرحية، أن هذا العمل سيكون تجريبيا، تراجيديا وعنيفا، فالفضاء يكسوه الدخان وحركات الممثلين متسارعة وعنيفة، بادية عليها علامات الخوف والرهبة من كارثة ما قد حصلت، ثمّ تبيّنها الجمهور مع انطلاق الحوار بين الشخصيات، وهي شخصيات بُنيت العلاقات بينها على عدم الثقة والمراوحة بين الاتصال تارة والانفصال طورا.
وعلى مستوى الأسلوب أيضا، غيّب المخرج الديكور معتمدا على تقنية لعب الممثل في « الفضاء الفارغ »، واكتفى بالحقائب كأكسيسوارات للدلالة على الرحلة. وفي المقابل اعتنى في الجانب السينوغرافي بالإضاءة، فوظفها بإحكام لخدمة الفضاء (المقبرة) والزمان (الليل والنهار) والحالة النفسية للممثلين كالخوف والجمود والانغلاق والعزلة.
وعوّل سامي الجويني في رسالته المسرحية على لعب الجمهور على الركح، فكان الأداء يراوح بين السكون تارة والهيجان طورا، وهي خصوصية اعتمدها المخرج لتفادي سقوط العرض، الذي دام حوالي 70 دقيقة، في الرتابة، بل خَطَّ الإيقاع منحًى تصاعديًّا انسجاما مع ذروة الأحداث والصراع القائم بين الشخصيات وبنية المسرحية التراجيدية.
وحاول المخرج، من خلال الخصائص الفنية المميزة للمسرحية، التعبير عن جملة من القضايا أهمها أن الخلاص من الهلاك لا يكون إلا بالوحدة بين المجموعة وبالثقة المتبادلة بينهم، وأنّ المحاولات الفردية للنجاة ماهي إلا إضعاف لجهود الجماعة.
ولم يفوّت المخرج كذلك الإشارة إلى الواقع السياسي والاجتماعي المتردّي، فعبّر عنه على لسان الشخصيات بأسلوب مباشر غير قابل للتأويل كتفشي الفقر والجوع والصراع السياسي الحزبي على السلطة.